مدير كبير…!

كان هناك تساؤل شغل ذهن الأكاديمي والمؤلف الأمريكي جيم كولينز، عن ماهي العوامل التي قفزت بشركات من المستوى الجيد إلى العظيم، بالمقارنة مع شركات تعمل بنفس الظروف والصناعة، ولكنها تبقى في مستوى الجيد أو تسقط إلى السيء!

وللإجابة على هذا التساؤل المنطقي والمحيّر، بدأ مع فريقه البحثي دراسة السوق لمدة خمس سنوات، حيث اختاروا أحد عشر شركة حققت أسعار أسهمها عوائد عالية جدا مقارنة مع شركات مماثلة لها، وذلك خلال خمسة عشر سنة. حرصوا أن يكون هناك شركات للمقارنة لديها نفس الموارد، ولكنها لم تنجح في تحقيق هذا النمو. أضافوا إليهم مجموعة أخرى حققت قفزات نمو كبيرة لكنها لم تستطع المحافظة عليها.

خرج الفريق بنتائج مذهلة وعوامل مشتركة لخصها جيم في كتابه “من جيد إلى عظيم”، لكن أهم تلك العوامل والمثير للدهشة كان طبيعة وصفات المدراء التنفيذين لتلك الشركات! قد تتخيل قادة لا يتحدثون كثيرا ويقدمون أنفسهم على أنهم ذوي معرفة عميقة، ويمشون في الأرض مرحا أو “شوفة نفس”! الذي وجده جيم وفريقه كان العكس تماما، كان القادة لتلك الشركات العظيمة، متواضعين جدا وكثيري الأسئلة والأهم لديهم الجرأة على الاعتراف بأخطائهم ومناقشتها بكل صراحة ووضوح! ولك أن تتخيل كيف هي البيئة التي صنعوها لتحفز الأفكار أن تعبر دون خوف من الانتقاد أو الخطأ أو حتى زعل المدير!

قد يبدوا الحديث عن القائد المتواضع من الناحية النظرية وحتى العاطفية جميل وحالم، لكن في الواقع الأمر مختلف، البيئة الداخلية لأغلب المنظمات، أصبحت تعطي كرسي المدير امتيازات وصلاحيات تغذي الغرور، مكاتب بمساحات وتصاميم ومداخل متفرقة توحي أن هنا يعمل أذكى وأهم شخص في المنظمة. كل الموظفين يدغدغون مشاعره ويعطرون مسامعه بأعذب كلمات الولاء المطلق، والثناء المستدام. يزيد الوضع تعقيدا ان كان القائد يواجه الاعلام، المحللين، الأضواء بكل أنواعها، ولطالما كان الرئيس التنفيذي الناجح قصة مشوقة ومادة إعلامية دسمة تتصدر الأغلفة. حتى الذكاء والمعرفة، والأداء القوي الذي قد يكون نتاج عوامل خارجية، كلها محفزات لغرور القائد الذي ينعكس بشكل سلبي على بيئة المنظمة.

تاريخ الأعمال مليء بقصص القادة الأذكياء بل والأذكياء جداً الذين قادوا شركاتهم إلى الفشل والخسائر، لأنهم وقعوا في فخ الغرور، وأصبحوا يعاملون موظفيهم بفوقيه وتعالي ولا يقبلون منهم الأفكار والمناقشة! ولذلك القائد الناجح هو من يملك الشغف مع التواضع، وليس من يجعل كل موارد الشركة مرآة لا يرى فيها إلا نفسه “المدير الكبير”.

رابط المقال في صحيفة مال

2020-02-05T16:46:06+03:00فبراير 5th, 2020|الأقسام: عام, مقالات|لا توجد تعليقات

اضف تعليقا