في عام 2014 م، تلقى الوسط الاستثماري السعودي خبر صادم حين أعلن المراجع الخارجي لشركة موبايلي وجود ملاحظات جوهرية، تبيّن لاحقاً أنها تلاعبات محاسبية ضخّمت الأرباح وبعضها غير فعلي أصلاً! خبر صادم لأن “موبايلي” كانت في الاذهان نموذج إداري ملهم مع بيئة عمل جاذبة. ما الذي حدث؟ بالطبع لا أحد يملك كل الحقيقة، لكن الذي يتضح لي كمحلل ومتابع، أن نظام الحوافز كان السبب، كيف؟ محاسبيا كانت الشركة تعترف بالمبيعات قبل أن تقدم الخدمة بمعنى أنها لو أوصلت صندوق انترنت الى منزلك، فهي تعترف محاسبيا أنك اشتركت ولمدة عشر سنوات مثلاً!
بالنسبة للإدارة كان هذا المخرج المحاسبي مثل الدجاجة التي تبيض ذهباً، وفعلا استفاد الطاقم الإداري وجمع ملايين الريالات كحوافز على تلك المبيعات! المصيبة الأكبر ان الإدارة لم تعد تهتم أصلا بتلك الخطوط، هل فعلا تم ايصالها أم لا! طالما عدّاد الحوافز شغّال، الباقي لا يهم!
مشكلة تصميم الحوافز عنصر مخاطرة مستمر، فبعد مشكلة “موبايلي” كانت أزمة الحوافز للبنك السعودي الفرنسي! وهذه المشكلة تقع حتى في أفضل الأسواق تنظيماً ورقابة، كما حدث مؤخرا مع بنك ويلز فارقو البنك الأمريكي العريق الذي أُكتشف ان فريقه كان ينشئ حسابات وهمية لتضخيم الحوافز! وهناك مشاكل اخرى لشركات عديدة لم تظهر على الساحة وربما كانت سبب في افلاس بعضها أو تكبدها خسائر مستمرة لوجود نظام حوافز خاطئ.
لا يعني أن الشركات يجب أن تلغي الحوافز، فهذا انتحار إداري يحيل الشركات الى بيئة طاردة. الحوافز مهمة جدا للموظفين. كيف إذاً تصمّم الشركات نظام الحوافز؟
هناك عدة محاور لتصميم الحوافز التي تراعي مصالح الموظفين والشركة ويكون مفعولها مجدي:
المحور الأول: ربط الحوافز بالأرباح، لأن ربطها بالمبيعات فقط، يعني أن الموظف لا يهتم بمصلحة الشركة فيجنّد كل مواردها ومصاريفها في سبيل بيع المنتج! لا يمنع أن يكون جزء بسيط من الحافز يقاس على المبيعات لأنه في الغالب في البدايات تكون المصاريف عالية، لكن بالمجمل يجب أن تربط بالأرباح.
المحور الثاني: قياس الحوافز على فترات زمنية وليس بشكل سنوي فقط. التركيز على فترات قصيرة قد يحفز الموظف على قبول أي صفقة لبيع منتج أو خدمة قد تظهر مشاكلها لاحقا.
المحور الثالث: تبسيط نظام الحوافز ومؤشرات الأداء بشكل يمكن لأي موظف حساب عائده من الحوافز دون الحاجة لموظف الموارد البشرية. عدم الوضوح وكثرة المؤشرات تأتي في الغالب نتيجة مكاتب الاستشارات التي تريد تقديم عمل معقد يبرر رسومها! بينما الفكرة أبسط من ذلك بكثير، ويمكن تصميمها بشكل مباشر للأهداف المطلوبة من كل موظف مع مراعاة المحاور الأخرى.
المحور الرابع: أفضل عائد للحافز هو النقدي، العوائد الأخرى مثل خيارات الأسهم، خطيرة وقد تشتت ذهن الموظفين وبالذات الإدارة العليا تصبح مشغولة بأداء السهم عوضاً عن أداء الشركة. وبعض الإدارات تلجأ لخدع محاسبية لرفع سعر السهم قبل الاستحقاق، مما يخلق تذبذب وأثر سلبي على الشركة في المدى البعيد.
المحور الأخير: العدل في توزيع الحوافز، فليس كل الشركات تلعب الإدارة العليا فيها دور جوهري ومركزي، لذلك يجب أن تكون الحوافز متوزعة بشكل عادل بين جميع الموظفين إذا كانت جهودهم متقاربة.
الحوافز هي المحرك الفعلي الذي يجب أن تصممه الشركات بشكل مبسط وعملي وعادل، يجعل الموظف يمارس عمله بشغف وحماس وانتماء. والأهم، انه يحمي من المصائب التي ترتكبها بعض الإدارات ويغلق أبواب الشرور التي تضر المساهمين.
اضف تعليقا