من يستثمر في سوق الفلس؟

السؤال الذي لا تُؤمن عواقبه في أي مجلس أو تجمع، هل سوق الأسهم السعودي مجدي للاستثمار؟ لا تُؤمن عواقبه، لأنك ستواجه موجة غاضبة وناقمة من السوق تكيل التهم بأنها لعبة هوامير مصممة ليكسبوا وحدهم فقط، أو هي ضرب من القمار والمغامرة المجنونة، وأعقل الغاضبين سيقول إن اقتصانا ضعيف وسيء لذلك دائما نخسر من سوق الأسهم. جرب أن تطرح هذا السؤال، ولا تستغرب أن يكون بين الغاضبين الخائفين رجال أعمال واقتصاديين وصناع قرار وحتى مدراء استثمار!

قبل محاولة فهم هذا الانطباع العام، سأجيب على السؤال المطروح، وهل يحق للأغلبية أن تغضب وتخاف من السوق، الذي يمر برحلة نزول متواصلة لأكثر من عقد من الزمن؟!
بداية نحتاج أن نعيد الأمور الى عواملها الأساسية، ما هو سوق الأسهم؟ منذ أول إدراج قبل أربعة قرون في أمستردام، كان وسيظل الهدف الرئيسي من سوق الأسهم أن يكون قناة تمويل للشركات. تطورت القوانين والتنظيمات وقنوات التداول وبقي الهدف نفسه. إذا المنطق يقول إن كل متداول هو بمثابة ممول للشركة التي يشتري أسهمها مع اختلاف أحقيته في ملكية أصول الشركة وأولويته في التوزيعات النقدية مع الدائنين.

الذي يحدث فعلياً أن المتداولين ينسون أو يتجاهلون هذه المعادلة الأساسية لسوق الأسهم، فيدخلون في دوامة معقدة من أدوات التداول ومعادلات التسعير ومؤشرات اقتصادية، ورسومات معقدة، لفهم نشاط في الغالب ليس له علاقة بجميع ما سبق! الأمر ببساطة فكر في شراء شركات رابحة ولها موقف تنافسي مميز، فقط لا أكثر ولا أقل. احتفظ بتلك الشركات القوية طالما تحافظ على موقفها السوقي، ولا تعقد الأمور.، فهي مع الوقت ستبتي لك ثروة!

كي أبسط هذا المفهوم وأطبقه على سوقنا السعودي، لنفترض أنك قررت أن تستثمر في شركات قوية بالمواصفات التالية:
– شركة أفهم منتجها الذي تقدمه، وكيف تربح؟.
– لها أكثر من 10 سنوات تربح دون خسارة.
– من ضمن أكبر الشركات التي تعمل في قطاعها.
– لا تصنع أو تبيع سلع برؤوس أموال ضخمة مثل شركات الاسمنت والحديد والبتروكيميكال والمعادن.
– لا تقترض بشكل كبير.

سأقترح بعض الشركات لنختبر الفرضية، وليست توصية بالشراء أو البيع، لكن لتعطينا جواب على السؤال: هل السوق السعودي مجدي للاستثمار؟
(مصرف الراجحي، العثيم، جرير، المراعي، الاتصالات، المواساة، التعاونية، سدافكو، بوبا، … وغيرها من الشركات الرائدة في قطاعها)، لو استثمرت في هذه الشركات بعيدا عن تعقيد التقييمات والمؤشرات والرسومات، وفي أسوأ سيناريو كان توقيتك في قمة السوق عام 2008 عند مستويات 11 ألف نقطة، فإنك ستمر بظروف قاسية جدا هي:

– تعرض السوق لتصحيح قوي حوالي 50% مرتين!
– هبوط حاد لأسعار البترول أدى لدخول الاقتصاد السعودي لمرحلة انكماش.
– عدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية من العام 2011 ودخولنا في حرب اليمن.
– في أقل من سنة فقدت محفظتك 40% على الأقل من قيمتها.
– هناك شركات تملكها لم يكن أدائها أعلى من التضخم! وهناك شركات لاتملكها كان أدائها أعلى من محفظتك!

ومع ذلك، هذه الشركات ستعطيك معدل سنوي تقريبي 15% مما يعني انك تملك الآن أكثر من 4 أضعاف المبلغ الذي استثمرته، مع افتراض أنك كنت تعيد استثمار التوزيعات النقدية وتشتري نفس الشركات.
هل يعقل أن يكون هذا أداء شركات في سوق يتداول بأقل من 25% من قيمة القمة التي بدأت الاستثمار فيها؟ كيف سيكون الأداء لو طورت مهارتك في تقييم الشركات واستثمرت في أوقات الهبوط؟ سيتخطى معدل النمو السنوي 25%!

الحقيقة التي يجب أن يستوعبها المتداولين، أن السوق يعطيك فرصة أن تتملك في شركات قوية وتتحول من مستهلك إلى مالك في نشاط لن تستطيع بناءه بمفردك. تلك الشركات التي تبني الثروات على المدى البعيد موجودة في كل الأسواق وتحتاج الوقت الذي يتطلب منك الصبر. الفرصة تكون أفضل كلما كان السوق أقل كفاءة وأعلى تذبذب مثل سوقنا المحلي، الذي سيعطيك الفرصة لدخول تلك الشركات بأسعار رخيصة جدا. ولكن السؤال الآخر: لماذا يسيطر هذا الانطباع الغاضب والخائف من سوق الأسهم على الأغلبية؟ سأحاول أن أجيب على هذا السؤال في المقال القادم بإذن الله.

رابط المقال في صحيفة مال

2020-02-05T16:44:29+03:00فبراير 5th, 2020|الأقسام: عام, مقالات|لا توجد تعليقات

اضف تعليقا